شراع الأمل يبحر نحو التنمية والاستدامة
تعيش اليمن، الأرض الجميلة والغنية بالموارد أوقاتًا عصيبة، فالأوضاع غير المستقرة تلقي بظلالها على جميع القطاعات، ومن بينها قطاع الثروة السمكية الذي يشكل أحد الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني. خاصة مع تفاقم التحديات الاقتصادية والمناخية التي تواجه الصيادين، والجمعيات التعاونية السمكية يومًا بعد يوم، والتي تؤدي لانخفاض الإنتاج المحلي من الأسماك وتدهور الأوضاع المعيشية للعاملين في هذا القطاع الحيوي.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة، تصبح الحاجة ماسة لتدخلات تنموية تعزز صمود ومرونة هذا القطاع المهم، خاصة وأن الشريط الساحلي لليمن يمتد لأكثر من 2500 ألف كيلومتر، ويوفر مصدر دخل أساسي لأغلب سكان المناطق الساحلية. لذا اختار مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن (FSRRP) منطقة محافظة شبوة وشريطها الساحلي كمنطقة للتدخل، الذي أصبح بذرة أمل توعي بأهمية الدور الذي يمكن أن تلعبة الجمعيات التعاونية السمكية في تنمية هذا القطاع في شبوة، وحجم الأثر الذي يمكن أن ينعكس على المجتمع المحلي بفعاليتها. وقد سعى فريق المشروع جاهدًا لتعزيز قدرات ست جمعيات تعاونية سمكية في شريط شبوة الساحلي بمديرية رضوم، عبر تقديم التأهيل والدعم الفني، وكذلك الربط بالتعاونيات السمكية النموذجية في محافظة حضرموت لتبادل الخبرات، ليبدأ الأمل في التسلل إلى قلوب العاملين في القطاع السمكي في المنطقة.
يشير عبد الباسط باخضر، مدير إدارة التخطيط والدراسات في صندوق الرعاية الاجتماعية والمسؤول على تدريب الجمعيات، بأن أغلب هذه الجمعيات التعاونية تمتلك أصول لكنها في العادة غير مستخدمة، لذا فإن الدعم الفني لهذه الجمعيات وتقديم الاستشارات سيمكنها من تفعيل هذه الأصول والاستفادة منها في تحقيق عوائد مالية لها ولأعضاءها. ويضيف، أن هذه الجمعيات التعاونية تواجه بعض الإشكاليات في تداخل المهام والمسؤوليات وفي علاقتها مع الجمعيات الأخرى، ومع مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل بالمحافظة، ويؤكد ملائمة التدريب كونه يستند على فكرة البناء المؤسسي والحوكمة الرشيدة ويساهم في التعزيز التطوير المؤسسي لكل جمعية لتمكينها من تحقيق نمو مستدام وتحسين أدائها بشكل فعال.
ولأن بناء القدرات يعد أمرًا حاسمًا لتنمية مؤسسات القطاع الخاص في القطاع السمكي، بدأت رحلة المشروع بتدريب 18 عضوًا من 6 جمعيات على تطوير مهاراتهم المؤسسية، والتركيز على بناء الهيكل التنظيمي وإعداد خطط مبدئية للجمعية، كما حددت كل جمعية أهدافها ووضعت خططًا عملية لمشاريعها، وشمل التدريب جوانب التحليل البيئي للمنشأة وتطوير الخدمات. عن الاستفادة من التدريب يقول عبد الحكيم عمر بن عيادة الممثل لجمعية بلحاف التعاونية: " ساهم التدريب في رفع الوعي لدينا في البناء المؤسسي للجمعيات، وفتح الأفاق للتطوير من خلال ما تعلمناه عن كيفية التخطيط والتنظيم والرقابة واتخاذ القرارات الصحيحة وفقا للإدارة النموذجية لهذه الجمعيات ".
استكمالًا للدعم الفني، ولمشاهدة تجارب ناجحة على أرض الواقع ، قام المشروع بتنسيق زيارة ميدانية للمتدربين إلى جمعيات نموذجية في حضرموت، وهما جمعية صيادي المكلا وتعاونية الشحر السمكية الإنتاجية. وخلال الزيارات، تم مشاركة نقاط القوة والتحديات التي تواجهها الجمعيات في المحافظتين، وتم تبادل الخبرات واستعراض المشاريع الناجحة والتجارب الميدانية المثمرة التي سبق وأن نفذتها الجمعيات المستضيفة، ومناقشة الدروس المستفادة منها. وبعد اكتمال الزيارات الميدانية، تم تعديل الخطط الأولية التي أعدتها جمعيات شبوة، وشملت تقديم خطط جاهزة لمشروعين، لتقديمهما إلى جهات ممولة وداعمة بغرض إيجاد فرص وموارد تمويلية لشراء أصول جديدة كقوارب الصيد الحديثة وأدوات ومعدات الصيد متطورة، بالإضافة إلى إنشاء مرافق تبريد وتجهيز للأسماك التي يتم اصطيادها لتحسين سلاسل التسويق وتعزيز الربط بالأسواق.
يحكي ياسر الواسعة، المدير المالي لجمعية بير علي التعاونية – أحد الجمعيات الحاصلة على الدعم الفني - عن الخبرات التي اكتسبها خلال التدريب والزيارات الميدانية فيقول: " قمنا بالاطلاع على البناء المؤسسي لبعض المؤسسات والجمعيات النموذجية، وأبرزوا لنا أهدافهم وتنظيمهم الإداري والهيكل التنظيمي، ومن خلال كل ما تعلمناه، أشعر بتطور في القدرات والمهارات التي ستمكننا من خلق فرص جديدة، والبحث عن مصادر تمويل سواء عبر موارد الصيادين أو المؤسسات الحكومية أو المنظمات الداعمة. والأهم هو توليد الأفكار لدى قيادات الجمعيات للبحث عن مصادر جديدة لتعزيز دخل الجمعيات، ورفد أعضائها بالمعدات أو القوارب التي تساعدهم في تحسين ظروف معيشتهم ". ويشيد بأهمية هذه الدورات ودورها في صقل قدرات ومهارات العاملين في القطاع السمكي وأثرها في تحسين الحياة المعيشية للصيادين.
تأهيل هذه الجمعيات التعاونية السمكية يحولها إلى قوة مؤثرة في المنطقة، لتسهم في توفير وسائل وأدوات الصيد والوقود واحتياجات رحلات الصيد، وتقديم الخدمات الارشادية والتدريبة للصيادين، وإيجاد قنوات تسويقية متنوعة ومتجددة يتم من خلالها تصريف الإنتاج السمكي بأسعار مناسبة تحسن دخل أعضاءها، وتعالج ضعف القوة التسويقية لصغار الصيادين وتنهض بواقعهم من أجل الوصول إلى الأسواق. كما أن تمكين هذه الجمعيات من خلق فرص جديدة وإيجاد موارد تمويلية لمشاريعها سبيل لاستدامة عملها وفعاليتها في المنطقة.
يقول الصياد سالم محمد عشمان: " الآن ندرك الأدوار التي تقوم بها هذه الجمعيات في مساعدة الصيادين، فعندما ترتقي هذه الجمعيات إلى الأفضل يرتقي الصياد إلى الأفضل وتتيسر له الكثير من الأمور". ويضيف سالم محمد: "نشكر القائمين على المشروع، لما قاموا به من جهود مبذولة ومن دورات قيمة في هذه المنطقة، وأتمنى أن يقوموا بتأهيل وتدريب نساء الصيادين في مجالات ستساعدنا في تطوير عملنا وتحسين ظروفنا المعيشية مثل تجفيف الأسماك وطحن الأسماك، وفي الأخير نتمنى لهم التوفيق". ويعقب عبد الباسط باخضر: " أتمنى أن تكون هذه الدورات هي نقطة أساس لتدريبات مستمرة سوء كانت للجمعيات التعاونية في مديرية رضوم بمحافظة شبوة أو أي جمعيات على الساحل البحري بشكل عام ".
يبحر شراع الأمل للجمعيات التعاونية السمكية في شريط شبوة الساحلي، والذي من المتوقع أن يشهد تحولًا اقتصاديًا واجتماعيًا مع مرور الوقت، طالما يستمر العمل المشترك والتعاون بين الجهات المعنية والمجتمعات المحلية لدعم لاعبي السلسلة وتمكينهم بالأصول والمعرفة المطلوبة نحو اقتصاد سمكي أكثر استدامة.
مشروع الاستجابة لتعزيز الأمن الغذائي في اليمن (FSRRP) – بتمويل من البنك الدولي، وتنفذه منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO) بالشراكة مع وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر (SMEPS).