إحصل على الإلهام

مدونات

الخميس, 27 فبراير, 2025

من التحدِّي إلى التغيير

مروة الحباري

 

 

من التحدِّي إلى التغيير

 

 

أنا مروة الحباري، عضوة في جمعية الأمان لرعاية الكفيفات. بدأت رحلتي الأكاديمية في مجال التنمية الدولية ، وأنا الآن في طور مناقشة رسالة الماجستير التي تحمل عنوان: "التمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة اليمنية ذات الإعاقة ، وعلاقته بالتنمية".

لم يكن الطريقُ سهلًا، بل كان مليئًا بالتحديات والصعاب، ففي بداية حياتي تأثرت كثيرًا بالأستاذة فاطمة العاقل -رحمها الله- (مؤسس جمعية الأمان لرعاية وتأهيل الكفيفات) التي كانت نموذجًا يُحتذى به في القيادة، والإرادة، والطموح، ومنها تعلمت أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل رحلة يمكن تجاوز صعوباتها بالعزيمة والإصرار،كانت الأستاذة فاطمة مصدر دعم لي لنا، حيث اكتسبنا في جمعية الأمان العديد من المهارات الحياتية والمِهَنيّة، وفَتَحت لَنا الأبواب نحو الاندماج الفعّال في المجتمع.

ومن خلال هذه البيئة المُشجّعة، بَدَأت أرى حياتي بشكلٍ مختلف، وأدركت أنني أستطيع تحقيق أشياء عظيمة رغم إعاقتي، ففي مرحلة البحث عن فرصة عمل مناسبة، كنت كغيري من ذوي الإعاقة أواجه رفضًا مستمرًا وتحدّيات متعدّدة، وغالبًا ما كان سبب الرفض يعود لنظرة المجتمع القاصرة تجاه قدرات ذوي الإعاقة، حيث يتم التركيز على الإعاقة بدلًا من المهارات والمؤهلات التي لديهم، فكثيرًا ما نسمع عبارات مثل: "هل تستطيعون العمل وأنتم معاقون؟! كيف ستنجزون أعمالكم"؟!، وعندما كنا نتحدّث عن حقّنا في التوظيف، نجد تعليقات مُحبِطة، مثل: “نحن الذين نرى لم نجد فُرَصاً، فكيف بكم وأنتم معاقون؟!.

 

 

 هذه الكلمات كانت تزيد من شعور الإحباط لدي، لكنها في الوقت ذاته كانت تُشعِل بداخلي رغبة أكبر لإثبات قدراتنا كذوي إعاقة، وهذا ما دفعني لتقديم طلب الالتحاق ببرنامج التلمذة في وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر(SMEPS) التَّابعة للصندوق الاجتماعي للتنمية، حيث أن هذا البرنامج يُتيح للأشخاص فرصةً لتطوير أنفُسهِم واكتساب خبرات عملية.

 في الحقيقة لم أكن أتوقّع القبول، كون هذه نتيجة مكررة في كل محاولاتي مع الجهات الأخرى، فقد كنت مستعدّة نفسيًّا لرفضي مجددًا، لكن الوكالة كان لها نظرة مختلفة تمامًا عن الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أظهرت إلتزامًا حقيقيًا بالشمولية وإدراكًا كاملًا بأهمية دمج ذوي الإعاقة، وقناعةً راسخة بأن الأشخاص ذوي الإعاقة يجب أن يحظوا بنفس الفرص التي يحصل عليها الآخرون، ومن هذا المنطلَق تمّ قبولي لديهم.

- في يومي الأول، استقبلتني إدارة الموارد البشرية بترحاب، وكان تعاملهم رائعًا للغاية، فقد أشعروني بأنني جزء من الفريق منذ اللحظة الأولى، وأنهم ينتظروا مني الكثير خصوصًا في ما يتعلّق بذوي الإعاقة، مما أعطاني دفعة من الثقةِ، والحماس، والمسؤولية نحو قضيّتنا كذوي إعاقة.

رافقتني في هذه الرحلة أ/ وفاء مثنى، مسؤول الحماية البيئية والاجتماعية، فلم تكتفِ بتوجيهي فقط، بل أصبحت صديقة وداعمة. عرفتني على أقسام الوكالة فزادت من ثقتي وقدرتي على التأقلم، كما قدّمتني للموظّفين بطريقة مميزة أثّرت في نفسي بشكلٍ كبير.

هذا التعريف المِهَنيّ زاد من حماسي وأعطاني الحافز للاندماج في هذا المجتمع الجديد الذي كانت لديّ مخاوف كثيرة تجاهه، ليس هذا فقط، بل حَرِصَت الوكالَة أيضًا على تكييف البيئة المُحيطة بي، حيث قامت بوضع العلامات الخاصّة بالدّرَج لتسهيل التنقّل وضَمان سلامتي، فدعمهم العملي يعكس التزامهم الحقيقي بِخَلْق بيئة شاملة تُراعي احتياجات الجميع.

ولم تكن المهمة سهلة، فبالرغم من البداية المشجِّعة، إلا أني كنت أُكلَّف بأعمال لم أقم بها من قبل، ولا تتماشى مع قارئ الشاشة الخاصّ بالحاسوب الآلي، لكنني لم أقل يومًا: “لا أعرف” أو “لا أستطيع”. بل كنتُ دائمة البحث عن حلول، وأحاول تطوير نفسي للتغلُّب على أيِّ عقبات تواجهني.

كنت أدرك أنّ إنجازي لن يُحسب لي وحدي، بل لكل الأشخاص من ذوي الإعاقة، كما أن الفشل أيضًا سينعكس علينا جميعاً.

فبفضلٍ من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الدعم المستمر من زملائي، وتشجيعهم لي، أصبحت قادرة على تجاوز الكثير من الصعوبات.

وبالرغم من كل التحدِّيات، أجد دائمًا معيّة الله وتوفيقه. وأُدرِك أنَّ ما أواجهه جزءٌ من قدر الله، وأنَّ الرضا بما كتبه لي هو مفتاح القوة والاستمرار. هذا الإيمان كان يعطيني طمأنينة داخلية ويحثَّني على الاستمرار دون يأسٍ أو إحباط.

ومن حسن الحظ أنه تزامن اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة مع فترة تواجدي في الوكالة، لِذا قررت تنظيم نشاطًا مميّزًا في الوكالة، وذلك لتسليط الضوء على قضايا ذوي الإعاقة ومُعيقاتهم، حيث ناقشنا فيه قانون الأشخاص ذوي الإعاقة اليمني رقم 61 لعام 1999م، إضافةً إلى الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة {CRPD}، وكان الحَدث بحضور فريق من الأمم المتحدة {UNDP}، مما أضاف أهمية كبيرة لهذا لنشاط.

ومن الجيِّد أنَّ النشاط حقَّق نجاحًا كبيرًا وتأثيرًا إيجابيًّا بالجميع, داخل الوكالة وخارجها، ولم يكن مجرّد مناسبة للاحتفال، بل كان فرصة لتغيير الكثير من المفاهيم السائدة حول ذوي الإعاقة، وبناء جسور من الثقة والتقبُّل.

ومع اقتراب انتهاء فترة التلمذة، تعلًّمت أشياء كثيرة من الموظّفين، وأصبح لديّ فرصة حقيقية للتأثير، وقدمتُ مثالًا حيًّا على أنّ الأشخاص ذوي الإعاقة قادرون على تحقيق النجاح والمساهمة بشكل كبير في المجتمع.

وفي آخر يوم فاجَأنَي فريق الموارد البشرية بنشاطٍ جميلٍ، ومميز ختاماً لهذه الفترة، كان هذا النشاط مليئاً باللحظات المؤثّرة، وقد شعرت بصدق مشاعرهم ودعمهم، واستمعت إلى كلماتهم التي رَفَعت من حماسي بدرجة كبيرة، وعزّزت إحساسي بالمسؤولية تجاه قضية ذوي الإعاقة، فقد كانت كلماتهم مليئة بالتفاؤل والشعور بأنني لم أكن مجرّد متدرّبة، بل كنت جزءاً من رحلة التغيير والإسهام في بناء وعي جديد أكثر تقَبّلاً وشُمولية.

أتحدّث اليوم عن هذه التجربة لأؤكد لكم بأننا سنصل يداً بيد مع كل من ساندنا وآمن بقدراتنا، أما من لم يكلّف نفسه بإعطائنا حقّ المحاولة، فنقول لهم بأننا كذوي إعاقة سنستمر على الإصرار في المحاولة ولو تعثّرنا ألف مرة، كما أوجِّه رسالتي إلى جميع الأشخاص ذوي الإعاقة فأقول لهم: أنتم أصحاب عزيمة وقوّة لا مثيل لها، ولا شيء يقف في وجه الإرادة الصادقة، فالمجتمع بحاجة إلى طاقاتكم وأفكاركم، فلا تجعلوا أيّ عائق يمنعكم من الانطلاق بجهدكم ومثابرتكم، ستجدون الفُرَص التي تستحقّونها، وسَتُصبِحون جزءًا مهمًّا في بناء مجتمع أكثر شموليةً وعدلًا، وتذكّروا دائمًا أنّ الإعاقة ليست عائقًا، بل هي نقطة انطلاق نحو النجاح والإبداع، كما أوجه امتناني العميق لكل شيءٍ مررت به خلال هذه الفترة من دعمٍ، وتقديرٍ وتعلُّمٍ، ولكل من ساندني ودعمني خلال هذه الرحلة، وأدرك تمامًا أنّ هذه التجربة كانت حجر أساس لمسيرتي القادمة، ليس فقط على الصعيد المِهَنيّ، بل أيضًا على الصعيد الإنساني، فالحمد لله أولاً وأخيرًا، فهذا من فضله وكرمه عليّ.