القابلات... أمانٌ للأمهات لولادات آمنه في ريف اليمن
أمون، قابلة، في طريقها إلى عيادتها في قريتها. حقوق الصورة: وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر/2025 |
في اليمن، لا تزال صحة الأمهات والمواليد الجدد مصدر قلق كبير، خاصة في المناطق النائية والمتأثرة بالأزمات، حيث يصعب الوصول إلى كوادر طبية مدرّبة أو رعاية توليد طارئة، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج مأساوية وارتفاع معدلات الوفيات بين الأمهات والمواليد.
في ظل هذه التحديات، تشكل القابلات مثل أنيسة في قرية كود الناش (أبين)، وصديقه في مديرية المقاطرة (لحج)، وأمون في مديرية خنفر (أبين)، أكثر من مجرد مقدمات رعاية صحية — بل هن شريان حياة.
يحمل اليوم العالمي للقابلات هذا العام شعارًا يعكس واقع اليمن بدقة: "القابلات: عنصر حاسم في كل أزمة". وقصة هؤلاء القابلات دليل حي على أهمية وجودهن.
من غرف فارغة إلى عيادات منقذة للحياة
لسنوات، كانت أنيسة تقوم بتوليد النساء في قرية كود الناش في ظروف صعبة. تقول: "في بعض الأحيان كنت أُجري الولادات على الأرض وعلى ضوء شمعة فقط."
غياب أبسط المعدات والأدوات كان يمنعها من التعامل مع الحالات الطارئة، وغالباً ما كانت تضطر إلى رفض الحالات وهي تشعر بالعجز.
وفي قرية المقاطرة، كانت صديقه تواجه نفس التحديات. تقول: "لم يكن لديَّ أي معدات، ولا سرير ولادة، والمكان لم يكن آمنًا لعمليات الولادة."
وفي الحالات الطارئة، لم يكن أمامها سوى إحالة النساء إلى مستشفيات بعيدة، وهو أمر لا تستطيع الكثير من الأسر تحمّل كلفته أو مخاطر الوصول إليه.
أنيسة وأمون أثناء زيارات الفحص للأمهات في قريتيهما. حقوق الصورة : وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر/2025 |
تتذكر أمون أنها لم قادرة إلا على تقديم الإسعافات الأولية فقط، وتقول: "لم يكن لدينا جهاز تعقيم، ولا كهرباء، ولا أسطوانة أكسجين". وكان موقع عيادتها البعيد يزيد من صعوبة وصول النساء للرعاية الآمنة.
كانت النساء في هذه المناطق يعانين من صعوبة كبيرة في الوصول إلى أقرب مستشفى.
تقول أنيسة: "لم يكن الأمر يقتصر على بُعد المسافة، بل كان هناك تكلفة النقل، وأجور المستشفى، وسوء الطرق، والخوف من السفر ليلًا. حتى إن بعض النساء تعرضن لهجمات من الكلاب الضالة على الطريق."
المخاطر لم تكن مجرد مشقة — بل كانت تهديدًا مباشرًا للحياة.
لكن اليوم، تعمل كل من أنيسة وصديقه وأمون في عيادات مجهّزة وتعمل بالطاقة الشمسية، تحتوي على أسرّة توليد، وأجهزة شفط، وأدوات تعقيم، وغرف مخصصة للفحص والرعاية. وكان لهذا التغيير أثرٌ ملموس.
اليوم، تُجري أنيسة من خمس إلى ست ولادات شهريًا – ثلاثة أضعاف ما كانت تستطيع القيام به سابقاً – كما توفّر فحوصات طبية أساسية حسّنت حياة الناس اليومية.
تقول أنيسة: "بوجود المعدات المناسبة، لم أعد أشعر بالعجز. الآن أستطيع القيام بعملي بالشكل الصحيح".
من اليمين إلى اليسار: صديقة أمون وأنيسه وصديقه يستخدمن المعدات الجديدة في عياداتهن. حقوق الصورة: وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر & برنامج الأمم المتحدة الإنمائي / 2025
|
أكثر من مجرد قابلات
لم تعد النساء في هذه المناطق يلدن وهنّ خائفات. تقول فاطمة، وهي إحدى النساء في عيادة صديقه: "كنا نسافر مسافات طويلة، وأحياناً كنا نخسر المولود في الطريق. أما الآن، فالوضع تغيّر. حتى الأطفال الذين يولدون دون أكسجين يُمكن إنقاذهم".
وتضيف سحر، مريضة أخرى: "عندما قالوا لي إن طفلي قد يتأخر في الولادة وقد يولد في حالة خطر، طمأنتني صديقه وأنقذت حياة طفلي. نحن نشعر بالأمان معها".
في قرية أمون، أصبحت الرعاية الطبية استباقية وليست فقط عند الطوارئ. تقول: "في السابق، كانت النساء يلدن بدون أي تخطيط أو إشراف طبي. اليوم يأتين لمتابعة الحمل، وقياس الضغط، ومراقبة الوزن. هذا غيّر النتائج، وزاد من الثقة".
من اليمين إلى اليسار: أمون، أنيسة، وصديقه أثناء تقديم الفحوصات للمرضى في عياداتهن. حقوق الصورة : حقوق الصورة: وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر & برنامج الأمم المتحدة الإنمائي / 2025 |
تأثير إيجابي مضاعف
لم تقتصر جهود القابلات على التوليد الآمن فقط، بل صرن يقدّمن فحوصات ما قبل الولادة، ويقمن بالكشف عن فقر الدم، وفي بعض الحالات يوفّرن فرص عمل لنساء أخريات في العيادات. كما يدعون إلى دعم أكبر لتوفير خدمات إضافية مثل التصوير بالموجات فوق الصوتية (الألتراساوند) وصيدليات داخل العيادات، حتى لا تضطر النساء للسفر من أجل الفحوصات أو الأدوية.
تقول صديقه: "عندما تُدعم القابلة، فأنت لا تساعدها وحدها فقط، بل تساعد قرية كاملة".
لقد حسّن برنامج دعم القابلات من نتائج صحة الأم في عدة مجتمعات ريفية. لكن ربما يكون الأثر الأهم هو ليس فقط ولادات أكثر أماناً، بل مجتمعات أقوى وأكثر اعتماداً على ذاتها.
تقول أمون: "كل ولادة آمنة هي دليل أن الأمور تتغيّر، وأن عملنا له قيمة، وأنه لا ينبغي لأي امرأة أن تخوض الولادة بمفردها".
بالإضافة إلى عملها، تعتني آمون بأطفالها وتساعدهم في تعليمهم. حقوق الصورة : وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر/2025
|
نظرة على المشروع
يهدف تعزيز الحماية الاجتماعية في حالات الطوارئ ومواجهة فيروس كورونا إلى تمكين القابلات في الريف من خلال توفير دعم مالي وفني يساعدهن على إنشاء عيادات محلية مستدامة. يُنفذ المشروع من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بالشراكة مع وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر، وبدعم من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي.